متلازمة بيكا - أكاديمية التدريس

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...

متلازمة بيكا - أكاديمية التدريس


ما هو اضطراب بيكا؟

يعد اضطراب بيكا نوع من أنواع اضطرابات الطعام، والعادة المتكررة لتناول المواد غير الغذائية، ويقصد بها غير الصالحة للأكل بعد مستوى الشفاه... كالطين، والثلج، والطباشير، والتراب، والفحم، والخشب، والشعر، والأظافر، والرصاص، ورقائق الصباغة، والورق، والحصي، والطين، ورؤوس أعواد الثقاب المحترقة.

الغالبية العظمى من السكان تشارك في شكل من أشكال بيكا، وقد يكون مضغ العلكة مثالًا على عنصر يُمضغ وليس له قيمة غذائية، ولتحقيق التشخيص يجب أن ألا تكون البيكا ثابتة، وبدلا من التعريف السريري الصارم للمصطلح، فالأطفال الصغار الذين يزحفون ويستكشفون بيئتهم غالبا ما يضعون هذه الأشياء في أفواههم، وبالتالي لا يمكن تشخيص الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين ببيكا.

سبب تسمية متلازمة بيكا بهذا الاسم

وصفت هذه الحالة لأول مرة بواسطة أبقراط، ويشتق المصطلح الإنجليزي Pica من الاسم اللاتيني Picave، وتعني العقعق، وهو اسم طائر، يشتهر بقدرته على أكل أي شيء، بغض النظر عن طبيعة تلك المادة، أما في اللغة العربية فتعرف هذه الحالة بعدة أسماء، فيسميها المعجم الطبي الموحد "شهوة الغرائب" أو "القَطَا" أو "الوحم"، أما قاموس حِتَي الطبي فيذكر "الوحم ـ اشتهاء أشياء لا طعامية ـ كالخشب أو الورق أو الطين"، وأما معجم مرعشي الطبي الكبير فيذكر "وَحَم, شهوة الطين، اشتهاء أطعمة لا تؤكل"، ويعرفها معجم المغني الأكبر لحسن الكرمي بأنه: "وحم فاسد" أي شهوة غير طبيعية لأكل مواد غير غذائية... كالطين والتراب والدهان".

وحسب مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع الصادر عام ٢٠٠٠ م، فهي من اضطرابات الأكل، حيث الوحم غير الطبيعي للطعام Pica، "وهي رغبة عارمة في تناول أطعمة غير مفيدة وغير مغذية، أو تناول مواد صناعية" وتذكر المعاجم العربية أن الوحم "شهوة الأطعمة الرديئة الكيفية".

كيفية تشخيص مرض بيكا؟

عادة ما يشخص مقدم الرعاية الصحية كالأخصائي النفسي أو مقدم الرعاية الأولية أو الأخصائي الطبي، الإصابة بمرض بيكا، ويُشخص اضطراب بيكا باستخدام أربعة معايير محددة:

  • التناول المستمر لواحدة أو أكثر من المواد غير الغذائية.
  • السلوك غير المناسب من حيث نمو الطفل، والذي لا يُشكل جزءا من الممارسات التي تخضع للعقوبات الثقافية.
  • السلوك المتكرر بدرجة تستوجب العناية الإكلينيكية المستقلة.
  • أن يتجاوز عمر الطفل ١٨ شهرا.

يعد لعق الأشياء سلوكا ملائما فيما يتعلق بنمو الأطفال دون ١٨ شهرا، وبالرغم من ذلك، إذا تكرر تناول الأطفال دون ١٨ شهرا للمواد غير الصالحة للأكل بدرجة كبيرة، فقد يستوجب الأمر إخضاعهم للعلاج المبكر من اضطراب بيكا.

ما الإختبارات التي يتم إجراؤها لتشخيص البيكا؟

تبحث معظم اختبارات البيكا عن المشكلات التي تحدث بسبب هذه الحالة، ويمكن أن تشمل مجموعة متنوعة من الاختبارات المعملية والتشخيصية والتصويرية، مثل:

  • اختبارات الدم والبول والبراز، وهذه تبحث عن علامات العدوى والتسمم.
  • اختبارات التصوير، ويبحث هؤلاء عن أي علامات انسداد أو تلف داخلي من هذه الحالة، ويمكن أن يشمل ذلك الأشعة السينية (CT) والتصوير المقطعي المحوسب (MRI) والتصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية.
  • الاختبارات التشخيصية، وتبحث هذه الاختبارات عن مؤشرات على وجود مشاكل صحية خطيرة يمكن أن تحدث مع البيكا، مثال عليىهذه الاختبارات: هو مخطط ECG أو EKG كهربية القلب عن مشاكل في النظم الكهربائي لقلبك، والتي يمكن أن تحدث مع بعض الاختلالات الإلكتروتية أو الالتهابات الطفيلية.

فرضيات الإصابة بمرض بيكا

١- الفرضية السلوكية Behavioral Hypothesis:

تشير هذه الفرضية أن البيكا هي سلوك متعلم، ويتم ذلك عن طريق مبادئ السلوكيين المتمثلة بالتعزيز، والسيطرة على المثير والعقوبة وتاريخ التعلم، وتفسر على أن البيكا هي حالة تظهر بسبب مشكلة في السيطرة على المثيرات، فالفرد ذو الإعاقة العقلية تزداد احتمالية تعرضه لإصابة بيكا، طالما لا يستطيع التمييز بين ما يؤكل وبين ما يجب ألا يؤكل، ونالت هذه الفرضية استنادا علميا بالدراسات التي تشير أن تدريب الفرد على معرفة ما يأكله يقلل من الإصابة بالبيكا.

٢- الفرضية الغذائية Nutritional Hypothesis:

تشير الفرضية أن البيكا تتحدد بحالة الفرد الصحية، والخلل في مستويات المعادن بجسمه، وتم استناد الفرضية علميا من خلال الدراسات التي تابعت علاج المصابين بالبيكا من خلال مكملات غذائية، كما أشارت الأدبيات بهذا الصدد أن هناك إشارة لوجود مناطق متضررة في أدمغة المصابين بالبيكا (كما في حالة كبار السن المصابين بالخرف Dementia).

٣- ممارسات ثقافية Cultural Practices:

على الرغم من أن الطب الحديث يعالج البيكا باعتبارها اضطرابا، إلا أنها تعد ممارسة عقائدية أو إجتماعية أو علاجية عبر ثقافات العالم المتنوعة، حيث يستعمل الطين عادة في الطب الشعبي، يُمزج مع التربة ويطحن ويستعمل في أفريقيا كعلاج قوي ونادر للغاية، يُستعمل الطين لعلاج الإسهال والتعب المعوي، وبسبب قدرته على امتصاص السموم الغذائية والحد من الجوع، فمن الممكن إضافته إلى وجبات محددة (علي سبيل المثال: الأسماك) وإلى حمية الحمل.

الفئات الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة بيكا

يتطور الاضطراب في جميع مراحل عمر الإنسان، إذ بالإمكان أن يحدث في الطفولة أو المراهقة أو الرشد، رغم كثرة حدوثه في الطفولة، كما تصاب به المرأة في مرحلة الحمل.

المسببات المحتملة للإصابة بمرض بيكا

لا يوجد سببًا واحدًا معروفًا للبيكا، فغالبا يكون من غير الواضح ما إذا كانت بيكا الفرد هي ظاهرة أولية أو ثانوية أو متعددة العوامل، نحن نعلم أن السلوك يتخطى الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإقليمية والجنسية والعمرية، وقد يحدث في أي بيئة سريرية، وعلى سبيل الحصر سنتحدث تفصيلا عن بعض العوامل:

أولا: العوامل الغذائية

يُشار إلى نقص الحديد أو الزنك بشكل متكرر كعوامل مسببة للبيكا، تم ربط فقر الدم المتعلق بمرض الخلايا المنجلية وأمراض الكلي / الكبد (على سبيل المثال: مرضى غسيل الكلي) ومرض الاضطرابات الهضمية في الطفولة (سوء امتصاص العناصر الغذائية غالبا يسبب عدم تحمل الجلوتين والحمل، وسوء التغذية بسبب الإهمال مع بيكا)، لا يوجد تفسير لما يدفع البعض لإشتهاء المواد غير الغذائية، مثل: الملح والنشا والمطاط الرغوي؛ لأن هذه المواد لا تحتوي على الحديد، أو لماذا كثيرا ما يظهر البيكا من قبل الأفراد الذين لا يعانون من ذلك.

ثانيا: العوامل البيئية

ترتبط العوامل الخارجية مثل الأحداث المجهدة والبيئات الفقيرة ونقص المشاركة النشطة في الأنشطة والمستويات غير الكافية من التفاعل البشري للمرض، قدم بورك وسميث دراسة حالة لرجل مصاب بخلل خلوي يعيش في منزل جماعي مع عدد قليل من شركاء التواصل المتاحين وأنشطة ترفيهية غير كافية، فقد استهلك سرا ما يكفي من الأشياء المعدنية الصغيرة كالمسامير والصواميل والبراغي، فمن الجدير بالذكر أن العديد من المصابين بالتوحد معرضون بشكل خاص للإجهاد والتفاعل البشري المحدود.

ثالثا: عوامل الصحة العقلية

لوحظ بيكا في الأفراد الذين لديهم أمراض عقلية كاضطراب الوسواس القهري، القلق المرضي، الفصام، الاضطراب العاطفي والاكتئاب، حيث وصف سوليام وفريمان امرأة تعاني من اضطراب في الشخصية وقلق شديد، كانت تستهلك الحصى بانتظام، وفي تقرير آخر ورد أن امرأة مصابة بالفصام المزمن وذات ذكاء طبيعي جمعت الكثير من العملات المعدنية لدرجة أنها احتاجت إلى عملية جراحية لإزالتها.

رابعا: العوامل الحسية / الفسيولوجية

أفاد العديد من الأفراد ذوي الذكاء الطبيعي أنهم يحبون بيكا لمجرد أنهم مستمتعين بملمس أو رائحة أو طعم العناصر التي يتناولونها، إحدى الفرضيات هي أن الأشخاص الذين لديهم إعاقة في النمو يبحثون ببساطة عن العناصر ذات الخصائص الحسية التي يجدونها مرضية، ويؤدي تناول هذه العناصر تلقائيا إلى تعزيز البيكا، بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يعاني الأفراد المصابون ب(DD يرمز لإعاقة النمو) من تناول أعقاب السجائر أو أوراق الشجر، من التأثيرات الفيزيائية لهذه المواد، مثل: النيكوتين وإرضاء الإدمان يحافظ على سلوك البيكا بمرور الوقت.

وإن كان السبب الحقيقي الذي يؤدي إلى الإصابة بهذا النوع من الوحم ليس معروفا، لكن الرغبة في أكل التربة يرتبط ارتباطا وثيقا بالآتي:

١- نقص التغذية:

وذلك عن طريق استجابة الجسم لنقص الزنك أو نقص الحديد، فعندما يعاني الجسم من نقص في بعض الفيتامينات والمعادن، يحاول الحصول عليها عن طريق تناول التربة والحجارة أو غيرها من المواد غير الغذائية.

٢- الحمية الغذائية:

بالاعتقاد الخاطئ لبعض النساء أن أكل الطين سوف يخفف الشعور بالجوع خاصة عند محاولة السيطرة على زيادة الوزن عن طريق الحد من استهلاك الغذاء.

٣- التخلص من الغثيان:

تعتقد بعض الحوامل أن تناول التربة أثناء الحمل أو الصخور أو الحجارة، وفي بعض الأحيان الطباشير يساعد في القضاء على غثيان الحمل.

٤- اتجاهات لدى النساء أثناء طفولتهن:

يقال أن تناول التربة أو الطين أثناء الحمل يحدث بصورة أكثر تكرارا في النساء اللاتي يظهرن ممارسات مماثلة خلال فترة طفولتهن.

مضاعفات الإصابة بمتلازمة بيكا

اشتهاء غير المألوف مشكلة قل تشخيصها، يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة تحتاج إلى تدخل جراحي؛ لتتمحور في خمسة مضاعفات:

١- السمية المتأصلة Inherent Toxicity: وتشمل كل الآثار السمية الناتجة من تناول مواد ثقيلة كالرصاص والمعادن.

٢-؛الانسداد Obstruction: تظهر في بعض حالات البيكا مثل حالة تناول الشعر.

٣- السعرات الحرارية العالية Excessive Calorie Intake.
٤- الحرمان الغذائي Nutritional Deprivation.

٥- الإصابة بالعدوى والتهاب الأسنان: حدوث مشاكل، مثل التآكل الشديد في الأسنان، وفقدان الأسنان، وتصدع الأسنان.

٦- الاختناق.

٧- إتلاف الدماغ من تناول الرصاص أو المواد الضارة الآخرى.

٨- القرحة النامية.

٩- مشاكل الجهاز الهضمي، كالإمساك أو البراز الدموي أو الإسهال.

كيفية علاج مرض بيكا

غالبا ما يختفي اضطراب بيكا تلقائيا، خاصة عند الأطفال والنساء الحوامل، لكنه قد يستمر لسنوات إذا لم يعالج، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون تخلفا عقليا أو في النمو.

لايوجد علاج طبي محدد لبيكا، لكن ينصح بمقاربة متعددة الاختصاصات لعلاج فعال، تشمل علماء نفس وأخصائيين اجتماعيين وأطباء، وتعتبر حاليا الاستراتيجيات السلوكية هي الأكثر فعالية لعلاج بيكا، مع تصحيح النقص الغذائي.

تتضمن بعض خيارات علاج البيكا ما يلي:

  • العلاج بالممارسة وهو الدعم الحسي، مثل: توفير عنصر أكثر أمانا للمضغ.
  • دواء لعلاج الحالات العقلية الأساسية إن وجدت.
  • تقليل نقص المغذيات بالمكملات الغذائية أو التغييرات الغذائية أو كليهما.

إجراءات الوقاية من متلازمة بيكا

  1. إدارة أي نقص في العناصر الغذائية في النظام الغذائي حسب أوامر الطبيب / اختصاصي التغذية.
  2. البحث عن أي عناصر غير مغذية -معروف أن الفرد قد يأكلها أو يبتلعها- وإخرجها فورا من بيئته.
  3. تجنب المناطق التي بها عنصر بيكا لا يمكن إزالته.
  4. في حالة الإصابة احترس من المضاعفات المتعلقة بابتلاع العنصر، كالسمية ومشاكل الأمعاء.
  5. يجب على الآباء ومقدمي الرعاية الذين يعاني أطفالهم من البيكا تجنب معاقبتهم، والتواصل مع الطبيب لدعم سلوكه.

الخاتمة

قد يبدو المرض غريبا، ويصعب على الأذهان تقبله، إلا أنه موجود ككثير من الأمراض التي لا يعرف عنها الآخرون الكثير، وتثير الشك أمام مرضاهم، لتنتابهم حالة من الذعر والقلق حول ما يعانون منه، فغياب التفسير العلمي لبعض الأمراض يأخذ المرء في اتجاه سوداوي، مجهول الملامح، ولأجل ذلك كان لا بد لنا من تسليط الضوء على هذا المرض.

وخلاصة القول يجب على الآباء والأمهات مراقبة سلوك أطفالهم، والاهتمام بما يتناولونه، وإن عجزوا عن فهم احتياجاتهم الغذائية، يجب عليهم اللجوء لأخصائي التغذية، ولا يقتصر ذلك على الآباء والأمهات فقط، بل على كل الفئات المعرضة للإصابة بهذا المرض.

المراجع

- اضطراب بيكا، دليل أخصائي الرعاية، مقدم من برنامج شبكة علاج التوحد / الأبحاث ذات الصلة بالتوحد المقدم من Autism Speaks.

- المجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية، المجلد الخامس، العدد (١٨) إبريل ٢٠٢١

- كتاب مرض بيكا، إعداد: بشرى لحمر.

Understanding Pica Behaviour: A -  Review for Clinical and Educational Professionals, Lillian N.Stiegler, 2005

- Pica, an overview, Stephen W.Moore M.D in Griffith Instructions For Patients (Eighth Edition), 2011

- What to know aboit pica?, Written by Zawn Villines on October 23,2019



الكاتبة/ سارة أحمد

تصميم/ حسين أحمد


لمعرفة المزيد عن أكاديمية التدريس شاهد هذا الفيديو...