كيف بدأ الكون؟ - أكاديمية التدريس

        بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..

كيف بدأ الكون؟ - أكاديمية التدريس


نشأة الكون

من ذهب إلى السماء ببصره ارتاح، فما بالكم بمن أخذ في الفضاء رحلة؟!

الكون هو فضاء شاسع، يتكون من العديد من النجوم والمجرات وغيرها، وقد توصل العلماء إلى معلومات عديدة في الكون واستغرق ذلك آلاف السنين، ولكن يتساءل الكثير من الناس عن بداية خلق الكون، وهل توصل العلماء إلى كل خفايا الكون أم هذا جزء بسيط؟!

كل ذلك سوف نُجيب عنه في هذا المقال.

الكون

يُعرف الكون على أنه فراغ شاسع، حيث يضم النظام الشمسي بأكمله والذي يتكون من المادة والطاقة، ويعد الكون مكانًا مُثيرًا للشك والاهتمام من قبل العديد من العلماء، ويشمل هذا الكون العديد من المجرات، والأقمار، والكويكبات، والكواكب، والكائنات الحية، والمذنبات، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من النجوم التي تسبح في الفضاء والتي يُقدر عددها بمئات المليارات، وغيرها من المكونات الأخرى التي تم اكتشافها بالفعل، والتي لم يتم اكتشافها حتى الآن.

كيف بدأ الكون

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) سورة الأنبياء

معنى هذه الآية: أن السماوات والأرض بما فيها من كواكب ونجوم ومجرات والتي هي الكون الذي نعيش فيه كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة  والرتق هو الالتصاق، "كانتا رتقًا" أي كانتا ملتصقتين، ثم حصل انفجار وتكونت المجرات والاقمار والكواكب، في قوله (ففتقناهما) أي فصلناهما، وجعل الله من الماء كل شيء حي، وهذا ما اكتشفه العلماء في نهاية القرن العشرين، وقد أكد القرآن أن المادة التي خُلق منها الكون هي الدخان، في قوله: 

"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين" سورة فصلت.

وهذه بعض من دلائل القرآن على بداية نشأة الكون، ولكن قام العلماء في نهاية القرن العشرين بالبحث حتى توصلوا إلى اكتشاف بداية الكون والتي ذكرها القرآن قبل آلاف السنين، وسوف نخبركم الآن بما وصل إليه العلماء من معلومات حول بداية الكون.

بدأ الكون من نقطة كثيفة وحارة منذ ما يُقارب 13.7 مليار سنة، وهذه النظرية تُسمى بنظرية الانفجار العظيم وسوف نقوم بتحليلها على 10 خطوات بسيطة.

الخطوة الأولى

وفقًا لنظرية الانفجار العظيم فإن بداية الكون كانت من نقطة واحدة ذات حرارة مرتفعة جدًا، ولكن العلماء لم يتوصلوا إلى ما حدث قبل هذه اللحظة، ولكن مع التطورات التي حدثت بعد ذلك من تلسكوبات وغيرها، قامت ناسا بإطلاق مهمة مسبار ويلكنسون للأمواج الميكروية متعددة الخواص Wilkinson Microwave Anisotropy probe  عام 2001؛ لدراسة بعض الشروط التي توصلوا إليها، وبالفعل استطاعت بعثة WMAP في 2001  تحديد عُمر الكون  والذي قُدر ب 13.7 مليار سنة.

الخطوة الثانية

كان الكون ما زال حديثًا وعمره مائة جزء من مليار من تريليون من الثانية، وهذا صغير جدًا، ولكن خلال الانفجار المتمدد كبُر الكون وتمدد بشكل هائل، وأصبح حجمه متضاعف نحو 90 مرة على الأقل، وقال العالم الفزيائي الفلكي "ديفيد سبيرغل" أنه كلما كان الكون يتمدد كلما أصبح باردًا وأقل كثافة، واستمر الكون في التمدد ولكن بصورة أبطأ حتى أصبح باردًا وتشكلت المادة.

الخطوة الثالثة

بدأت العناصر الكيميائية في الظهور خلال الدقائق الأولى من تشكل الكون، واصطدمت البروتونات بالنيوترونات وكونت عنصر مشع وهو الديتيريوم، ثم اتحد الكثير من الديتيريوم مع بعضهم البعض وشكلوا عنصر الهيليوم، واصطدمت الذرات ببعضها بقوة لتتجزأ إلى بلازما كثيرة والتي قامت ببعثرة الضوء وجعلته كالضباب.

الخطوة الرابعة

بعد حوالي 380 ألف سنة من الانفجار العظيم  تبردت المادة بالشكل المطلوب، واتحدت الالكترونات بالنوى وشكلت الذرات المتعادلة كهربائيًا وعُرفت هذه المرحلة ب "إعادة التجميع"

الخطوة الخامسة

بعد حوالي 400 مليون سنة من الانفجار العظيم، بدأ الكون يخرج من عصر الظلمات، واستمرت هذه المرحلة أكثر من نصف مليار سنة ولكن مؤخرًا أعتقد العلماء أن هذه المرحلة حدثت بسرعة أكبر أي أقل من نصف مليار سنة، وهذه المرحلة أطلق عليها اسم "عصر إعادة التأين" وتم تشكيل المجرات والنجوم فيها من كتل الغاز.

الخطوة السادسة

قام العلماء بالبحث على الكثير من المجرات الأخرى والنجوم، وقاموا أيضًا بالتنقيب عن الكثير من المعلومات التي تدور في أذهانهم حول استكشاف هذا الفضاء الشاسع، وساعدهم  في ذلك بيانات بعثة WMAP والتي أطلقتها ناسا عام 2001، وبعثات أخرى كتلسكوب هابل، وما زالت رحلة البحث عن إجابات لأكبر عدد من أسئلة الفضاء مستمرة.

الخطوة السابعة

قدر العلماء عُمر نظامنا الشمسي بنحو 4.6 مليار سنة، وتوصل العلماء أيضًا إلى أن الشمس تعد واحدة من 100 مليار نجم آخر في مجرة درب التبانة، وتدور على بعد 25 ألف سنة ضوئية عن مركز مجرة درب التبانة.

الخطوة الثامنة

قامت العالمة "فيرا روبن" وهي عالمة فلك في معهد كارنيجي في واشنطن بمراقبة سرعة النجوم واكتشفت أن النجوم التي تقع على أطراف المجرة تدور بسرعة أقل من سرعة النجوم في مركز المجرة، ولكن لم تجد فروق في سرعات النجوم الأبعد، كما اكتشفت أن هناك مادة غامضة ومرئية في الكون وعُرفت هذه المادة بالاستدلال، وقد فرضت بعض الفروض وهي أن هذه المادة الغامضة تتكون من جزيئات غريبة لا تتفاعل مع الضوء أو المادة الطبيعية، ولهذا صعُب الكشف عنها، واعتقدت أيضًا أن المادة المظلمة تشكل نحو 23% من الكون، بينما تُشكل المادة الطبيعية 4% من الكون، وهي تشمل النجوم والكواكب وغيرها.

الخطوة التاسعة

اكتشف عالم الفلك "ادوين هابل" في عشرينيات القرن الماضي باستخدام تلسكوب حديث، أن الكون ليس ثابتًا وإنما يتمدد، وفي عام 1998 باستخدام تلسكوب هابل، تم اكتشاف أن تمدد الكون الآن أصبح بصورة سريعة عما كان عنه في الماضي، وهذا يُخالف المعتقدات، حيث اعتقد العلماء أن الكون سيتمدد بصورة أبطأ وليس بصورة أسرع، ويعتقد البعض أيضًا أن المادة الغريبة في الكون هي سبب تباعد مكونات الكون عن بعضها بهذا الشكل الكبير.

الخطوة العاشرة

تم اكتشاف الكثير من خفايا الكون ولكن في الحقيقة هي جزء صغير جدًا لا يُذكر بالنسبة لحجم الكون الذي هو في صورة تمدد مستمرة، وبقِيَ أيضًا أسئلة لا أجوبة لها مثل:

ما هي المادة والطاقة المظلمة في الكون؟!

ما حجم الكون الحقيقي؟!

وغيرها الكثير من الأسئلة الغامضة...

ولكن لا يزال العلماء يبحثون عن هذه الأجوبة؛ أملًا في اكتشاف معلومات جديدة.

عُمر الكون

اختلف الكثير من  العلماء في تحديد عُمر الكون، ولكن مُؤخرًا أُعيد تحديد عمر الكون مرة أخرى لحسم الجدل، ولكن هل علماء الفلك قادرين فعليًا على تحديد عمر هذا الكون الذي يحمل العديد من الخفايا والغموض؟!

سوف نعرف ذلك الآن..

أكد علماء الفلك أن عُمر الكون 14 مليار سنة تقريبًا، ثم قاموا بإلقاء نظرة أُخرى لتحديد عُمر الكون الحقيقي، ووجدوا أنه تقريبيًا يبلغ من العمر 13.77 مليار سنة أي بنسبة 40 مليون سنة زيادة أو نقصان على العمر القديم، وأكد ذلك العلماء المتخصصون في دراسة حركة المجرات سنة 2019، حيث قالوا أن عُمر الكون أصغر بمئات الملايين من السنين مما قدره فريق بلانك (Planck collaboration) مُسبقًا، وهو فريق ضم عدد كبير من العلماء الذين تعاونوا في مهمة بلانك(Planck)، وهذه المهمة كانت تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، ووفقًا للبيانات التي تم استخراجها من مرصد بلانك الفضائي (Planck space observation) فقد قُدر عمر الكون نحو 13.8 مليار سنة، ولكن قام عدد من علماء الفلك من مختلف العالم تحت قيادة جامعة كورنيل باستخدام البيانات المستخرجة من تلسكوب أتاكاما الكوني (Atacama Cosmology Telescope) التابع لمؤسسة العلوم الوطنية  (Nation Science Foundation) وتم حسم الجدل على تحديد عُمر الكون، حينما أصدرت جامعة كورنيل بيان تطابق قياساتهم التي تبلغ نحو 13.77 مليار سنة مع فريق تعاون بلانك (Planck collaborationk)، وأكد ذلك أيضًا عالم الفلك الذي يلقب ب Sumon Aiola وهو أيضًا باحث في الفيزياء الفلكية في نيويورك  التابعة لمعهد فلاتيرون (Flatiron institute’s  center for computational Astrophysics) حين قال: " لقد توصلنا الآن إلى إجابة يتفق عليها فريق بلانك وتلسكوب أتاكاما الكوني" وذلك يؤكد توثيق نتائج القياسات التي توصل إليها الفريقان.

ومن خلال تحديد عُمر الكون، تمكن الباحثون من تقدير سرعة الكون، وباستخدام تلسكوب أتاكاما الكوني، توصلوا إلى تقدير ثابت هابل أي سرعة توسع الكون ووجدوا أنه يُقدر بنحو  42 ميلاً في الثانية لكل ميجا فرسخ (67.6 كيلو مترًا في الثانية لكل ميجا فرسخ)

أي أنه إذا كان جسمًا على بعد 1 ميجا فرسخ ( أي 3.26 مليون سنة ضوئية) من الأرض فإنه يتحرك بسرعة 42 ميلًا في الثانية (67.6 كيلومتر في الثانية الواحدة) وأكد ذلك أيضًا الباحث في مركز كورنيل للفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب ستيف تشوي (cornell center for Astrophysics and planetary science).

حجم الكون

لا نستطيع إنكار أن الكون مكان كبير للغاية، ولكن هل يعجز العلماء تقدير حجم الكون؟!

سوف نرى إجابة هذا السؤال في الإثباتات التي سأذكرها من قبل أفواه علماء الفلك.

قالت سارة غلاغر Sara Gallagher وهي عالمة فيزيائية فلكية في جامعة ويسترن في أونتارسو بكندا: " أن معرفة حجم الكون سوف يترتب عليه الكثير من الأجوبة التي عجزنا عن قولها للعَالم، ولكن للأسف الشديد الإجابة عن سؤال ما هو حجم الكون تكاد تكون مستحيلة، إلَّا أن ذلك لا يمنع العلماء من المحاولة" ، وأضافت أيضًا أنه كلما كان الجسم أقرب إلى سطح الأرض كان قياس المسافة بينه وبين الأرض أسهل بكثير، ولكن يتوجب على العلماء القيام بتسليط حزمة ضوئية لأعلى وحساب مدة ذهابها ورجوعها إلى القمر ، فالأجسام البعيدة عن الأرض مثل الشمس يصعب علينا حسابها؛ لأننا سنحتاج إلى إطلاق حزم ضوئية خارقة، وسيتوجب علينا انتظار آلاف السنين حتى تذهب هذه الحزم وترجع مرة أخرى إلى مكان إطلاقها، وقالت أيضًا أنه يوجد حل يمكن للعلماء استخدامه للتعامل مع الأجسام الأبعد وهو:

بما أن ألوان النجوم تتغير مع تقدمها بالعمر، فبإمكان العلماء الاعتماد على هذه الألوان لتقدير كمية الطاقة واللمعان المنبعثة من هذه النجوم، حيث أن النجوم الأقرب إلينا تبدو أكثر لمعانًا، أما النجوم الأبعد تبدو أكثر بهتانًا وبذلك لا يوجد نجمان لهما نفس اللمعان والسطوع، ومن خلال حساب فرق السطوع والتوهج يُمكن للعلماء تقدير المسافة بيننا وبين هذه النجوم، ولكن ماذا عن الأجسام الأبعد من النجوم؟!

قالت غلاغر أن الأمر يصبح صعبًا في التعامل مع المسافات المهولة، حيث أنه كلما كان الجسم بعيدًا عن سطح الأرض كلما كان زمن وصول ضوء هذا الجسم إلينا أطول وأصعب، فقد يستغرق مليارات السنين للوصول ومع ذلك لا يصل الضوء إلى سطح الأرض.

أما ويل كيني Well kinney وهو عالم فيزيائي فقد قال: " نحن لا نعرف عن هذا الكون سوى فقاعة صغيرة جدًا ولمعرفة حجم هذه الفقاعة قد يستغرق الأمر مليارات السنين، وقد ذكر أيضًا أن الجسم الذي استغرق ضوؤه 13.8 مليار سنة للوصول إلينا سيكون هذا أبعد جسم يُمكننا رؤيته، ولكن هذه المعلومة لا يمكننا الاستعانة بها في الأبحاث إذ إن الكون يتمدد بمعدل متزايد باستمرار، وقد امتدت حافة الفقاعة إلى ما يُقارب 46.5 مليار سنة ضوئية وذلك بالاستناد إلى حسابات تمدد الكون منذ الانفجار العظيم، ومن خلال ذلك أيضًا قامت إحدى الدراسات بافتراض أن حجم الكون الفعلي قد لا يقل عن 250 مليار سنة ضوئية وهي ضعف ال 46.5 سنة ضوئية التي ذكرناها سابقًا، ولكن كل هذه افتراضات فقط لا حقائق فعلية.

هل الكون ممتد إلى الأبد؟!

لا يوجد ما يؤكد ذلك ولكن اتفق معظم العلماء على أن الكون يتمدد إلى ما لا نهاية؛ لأنه لا يوجد دليل على أن الكون محدود، واتفقوا أيضًا على مدى ضخامته فهو شديد الضخامة حقًا، ولم ينكروا أيضًا بأنه هائل الحجم ويستحيل عليهم حساب حجمه الحقيقي.

قُلْ سِيْرُوْا فِيْ الأَرْضِ فَانْظُرُوْا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْر” (العنكبوت)

وفي النهاية نختم بأن كل ما اكتشفه العلم هو الخصائص والقوانين التي وضعها الله في الكون.

فالكون مكان ضخم ملئ بالخفايا، وما العلماء إلا أداة لاكتشافه.

المصادر

Nasa -
Scientific American -


الكاتبة: رحمه أنور 

تصميم: ناجح محمد 


لمعرفة المزيد عن أكاديمية التدريس شاهد هذا الفيديو ..